لانتظار قد يكون أحيانا أشد وطئا من النتيجة.. وقد انتظر الطلاب نتائج الاختبارات بفارغ الصبر. فمنهم من كان التوفيق حليفه وسيتقدم بذلك خطوة إلى الأمام في حياته الدراسية، وسوف يُفتح له باب جديد من العلم، ولهؤلاء نزف التهنئة والشكر على جهودهم التي بذلوها، وآن لهم أن يقطفوا ثمار النجاح والتفوق.
وإنه لأمر طبيعي أن ينهال الشكر والثناء على أهل النجاح والتفوق الدراسي، وهم يستحقون ذلك بلا شك، ولكن لماذا ينسى البعض منا في خضم ذلك البقية الباقية من الجسد، وهم أولئك الطلبة الذين لم يكن النجاح حليفهم؟ فهم أيضا يحتاجون إلى نقف معهم، وندعمهم أكثر من أي وقت مضى.

وهناك أسباب متعددة للإخفاق، منها التربية بالترهيب من الفشل الدراسي، مما يوحي للطالب بأن ذلك هو نهاية العالم، وأن الشهادات الأكاديمية هي الباب الوحيد للانطلاق للحياة. ومن الأسباب الأخرى التي قد تؤثر سلبا على مستوى الطالب وتحصيله المقارنة المجحفة والقاسية بين الأبناء في الأسرة الواحدة، أو بين الزملاء في الصف الدراسي.
نحن نعلم يقينا أن الطلاب مختلفون في ميولهم، وأنهم ليسوا سواء، ولهم أنماط مختلفة وقد يكون السبب في ذلك البيئة التي نشؤوا فيها أو الجينات الأسرية أو الثقافة المحيطة بهم، ولذلك لابد أن نضع نصب أعيننا احتمالية أن بعضهم سوف يتفوقون على أقرانهم في ميادين الحياة أكثر من ميادين الفصول الدراسية.. وهذه ليست دعوة للتقليل من شأن التعليم والتحصيل الأكاديمي، ولكن الحياة تحكي وتثبت لنا أن هناك أبوابا أخرى يمكن أن تُطرق فينبثق منها الإبداع.

فقد أبدع عالم في مجاله حتى أصبح نجما ساطعا في سماء المحدثين، ذلك هو الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله، وقد كان يحمل الشهادة الابتدائية فقط. وقال عنه ابن باز، رحمه الله، "ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في عصرنا مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني". وكذلك في مجال الأدب نجد مصطفى العقاد ومصطفى الرافعي.. لم يحملا إلا الشهادة الابتدائية، وستكون مندهشا أكثر لو علمت أن أجاثا كريستي قد طُبع من كتبها ومؤلفاتها أكثر من ملياري نسخة، وهي لم تذهب إلى المدرسة قط! وقد كانت في صغرها تجد صعوبة في تعلم قواعد اللغة، وكانت أيضا تعاني من مشكلة في النطق.

وهناك في مجال الكمبيوترات والبرمجة فإنك لن تجد كمبيوترا في بيت أو مكتب يخلو من نظام ويندوز، وصاحبه بيل جيتس لم يكمل دراسته الجامعية، ولم يكن الأفضل لا في العلوم ولا في الرياضيات مع أنه كان شغوفا بهما! أيضا ستيف جوبز مؤسس شركة أبل لم يحصل على الشهادة الجامعية، وحتى في مجال المال والأعمال فإن سليمان الراجحي وعبدالرحمن الجريسي كلاهما لم يكمل المرحلة الابتدائية.. والحياة مليئة بمثل هؤلاء النماذج، ولست أدعو هنا إلى نبذ الدراسة أو التقليل من شأنها، بل على الطالب بذل الجهد وتكرار المحاولة، ولكن لنتذكر دائما أنه ليس هناك صورة موحدة ومثالية براقة تناسب كل الطلبة، فكل واحد من هؤلاء هو فريد في نوعه، وفي ميوله وفي شخصه، ولكل واحد بصمة تختلف عن الآخر، فلنساعدهم على أن يجدوا تلك البصمة.

Enregistrer un commentaire

 
Top